06‏/09‏/2013

الأساطير المؤسسة للعقل العربي 10


"الرهان بين الثنائيات"

يمكن ما في عربي ما بيعرف داحس والغبراء! الفرسين اللي صارت مشانهم حرب طويلة عريضة بين قبيلة عبس من جهة وذبيان من الجهة الاخرى

بس الغريب أنه ما في كتير من الأخبار عن بداية هالحرب الضروس، وكل الروايات عنها مبتورة أو مختصرة أو بلا تفاصيل باستثناء بعض قصائد الجاهلية اللي قدرت على الحياة لعصرنا.. في حين أنه في كتير من التفاصيل وتفاصيل التفاصيل بأواخر الحرب بالأخص لما دخل عنترة على الخط.. وأخد مكانه كواحد من أهم الأبطال الأسطوريين في العقل العربي على مر العصور والأجيال حتى وقت قريب

وهدا يمكن يفتح السؤال عن مدى أهمية ومحورية مفهوم البطل في العقل الجماعي الباطن؟ واللي ممكن ببساطة أنه يطغى على الجميع أو المجاميع البشرية في مكان أو عصر!!

بس مو عنترة الشاعر هو اللي خلّد عنترة البطل؟!.. يمكن الجواب: أنه لو عنترة ما كان شاعر لكانوا لاقوا له شاعر بالقبيلة ليمجد ويخلد بطولاته.. وهي أول الثنائيات "الأبطال بيخلقوا الشعراء؟ وإلا الشعراء بيخلقوا الأبطال؟"

أنا يبدو لي أنه التانية كانت الحصان الخاسر بمعظم الأحيان بالتاريخ العربي رغم أنه الصراع مازال مستمر

كل هدا مو غريب، الغريب فعلا هو أنه تضل حادثة حرب داحس والغبراء حاضرة بقوة طاغية في العقل العربي بالأخص –وهدا الأغرب- في العصر الحديث منه، فمعظم قضايا وإشكالات –ما سمي- عصر النهضة العربية بداية القرن العشرين كانت شبيهة جدا برهانات بين فرسين، وكل فريق بيختار فرس ليشجعها، وبتصير القضية قضية حياة أو موت، بتخلي كل فريق عنده الاستعداد الفعلي لخوض حرب ضروص غير منتهية.. وتحتاج لعشرات العناتر.. ومئات الشعراء.. وآلاف الشهداء "مادية أو معنوية" في مفرمة الصراع

حتى القضايا الفكرية والثقافية والسياسية اللي كان مهم جدا أنه تتعامل كقضايا جدلية قابلة للتجاوز عن طريق النقاش أو التحليل أو التفاوض.. تم التعامل معها كحرب داحسية لا رجعة فيها ولا هدنة.. و في خضمها تنصر فيها أخاك ظالما أو ظالما.. وليس لك الخيرة من أمرك ف "إن غوت غزية غويت.. وإن ترشد غزية أرشد" ولا حل ثالث بينهما

وهيك من أول قضية طرحت حالها، وهي سؤال "الانفصال عن الدولة العثمانية.. وإلا الاستمرار تحت عباية الخلافة"

ومن بعدها ياما نزل أفراس وفرسان عالساحة!! ثنائيات ورا ثنائيات.. "المشرقية، وإلا الاغتراب..العروبة وإلا الإسلام.. القومية وإلا القطرية الإقليمية.. الأصالة وإلا المعاصرة.. الدولة المدنية وإلا الدولة الدينية.. الديمقراطية، وإلا الشورى.. الصراع وإلا التفاوض.. الثورة، وإلا الإصلاح.."

كل هي الثنائيات تصارعت على ساحة العقل العربي الحديث وأثارت الكثير من الغبار في معارك هي استنساخات جديدة ومحدثة من حرب داحس والغبراء اللي مازالت متحكمة بالعقل والتفكير العربي حتى لحظتنا الحالية.. وأكبر دليل الطريقة من التفكير والتصرفات اللي حدثت وعم تحدث بمصر هلق!!!

وأنا ما قصدي عن الضربة الأمريكية المزعومة المنتظرة، ولا قصدي أنه في كتير ناس مراهنين عليها.. ولا قصدي أنه في أكتر ناس مراهنين أنها لتقوية النظام وتثبيته.. وأنا مو قصدي أنه ننتظر جولات جديدة ونسخ محدثة من "داحس والغبراء" سواء سقط النظام وإلا..   

يتبع

21‏/08‏/2013

الأساطير المؤسسة للعقل العربي 9


"بكر وتغلب..الظلم والظلم المضاد"

بعد معركة "تحلاق اللمم" التي هزمت فيها تغلب هزيمة ساحقة.. وأسر معظم فرسانها وفي رأسهم المهلهل.. وتفرقت جموع الباقين.. وبعد أن وفا ابن عباد بعهده وعاد إلى صفوف العزلة، عندها اسيقظ حلم كليب متجسدا في قاتله جساس ذاته، فعزم على تنصيب نفسه ملكا على نفس حدود مملكة كليب التي مزقها سهمه سابقا..

ولكن جساس وقومه اللذين ذاقوا الذل والقهر والهوان على يدي المهلهل وقومه سنين طويلة.. لم تردعهم مرارة طعمه عن ممارسته من جديد على أبناء عمومتهم.. فأمعن جساس في إذلال رجالهم وقهر نساءهم سنين عددا

وكانت تبريره لذلك بحجة الظلم والحيف الذي وقع عليهم أيام كليب والمهلهل!!!

ولكن الأيام التي جعلها الله دولة بين الناس من الأزل إلى الأبد دون أن يتعلموا هذا الدرس "على الأقل في وطننا العربي" ما كانت لتمهل جساس أكثر بعد أن حان القدر، فجاءته الطعنة من حيث لم يحتسب.

فقد كانت الجليلة أخت جساس زوجة لكليب يوم قتله.. وفي بداية الأزمة كانت انحازت لقوم زوجها على حساب أهلها ولكن بعد انتهاء المفاوضات ونشوب الحرب لم يطق أبناء تغلب أن تبقى امرأة بكرية بين ظهرانيهم وقد سال الدم ولقحت الحرب الضروص واشتعل الثأر غضبا

ورغم أن المهلهل كان يميل إلى إبقائها إلى جانبه لغاية في نفسه، لكنه لم يستطع هو، ولم تستطع هي مقاومة الضغوط فرحلت إلى قوم أهلها مكرهة "يمكن على زمانهم ما كان في شي اسمه الانشقاق عن القبيلة"

وكانت الجليلة قد كتمت عن الجميع خبر حملها من كليب.. ولما علم أباها وأخاه بذلك.. أتموا لعبة القدر بأيديهم، فأحاطوا الأمر بسرية تامة حتى وضعت مولدا زعموه لجساس وسموه الهجرس ابن جساس وعاش وتربى على هذه الحقيقة وصار فارس بكر وولي عهدها

وفي يوم من الأيام كشفت له الحقيقة، وصار في مأزق عاطفي رهيب "ولا هملت تبع شكسبير" وفي نهاية صراع داخلي مرير قرر أن يدعوا خاله وابوه بالتبني للمبارزة أمام الأشهاد، وما كان لعربي بدوي في ذلك الحين –حتى لو كان ملكا- ان يستنكف عن ذلك وإلا لبسه العار والذل لأجيال

وبعد مبارزة طويلة بين عنفوان الشباب وخبرة الكهول قتل الهجرس أبوه بالتبني ثأرا لأبيه بالنسب..

وبعد مقتل جساس انتفضت تغلب من جديد، فجمعت صفوفها وعزمت على القتال، وراودوا الهجرس عن نفسه لينصبوه ملكا عليهم، لكنه رفض، وكان في حالة يرثى لها، وقال هذه الحرب انتهت بالنسبة لي بعد ثأر كليب.. وحاول أن يثنيهم عن عزمهم للحرب لكنه فشل.. ونشبت الحرب من جديد وانتصرت تغلب مرة أخرى.. وعادوا لظلم ابناء عمومتهم بحجة أنهم ظلموا وذاقوا الذل والهوان على يدي جساس "مغتصب السلطة"

واستمرت غارات تغلب على بكر مرارا وتكرارا يقتلون وينهبون.. ولا يشتفى غليلهم حتى قررت بكر في يوم من الأيام أن تهاجر بكامل جموعها وافرادها، بعد أن استحال التعايش أو الصلح.. فهجروا جنوب جزيرة العرب إلى شمال سورية واستوطنوا في المنطقة التي تسمى الآن "ديار بكر" وقد صارت جزءا من تركيا

" يعني الشباب صاروا أتراك ويمكن يصيروا جزء من الاتحاد الأوربي! بس ما بعرف إذا لسى موروثات العقل العربي رح تضل مؤثرة فيهم؟ وإلا الله رح يشفيهم؟"

هذا المرض العضال في العقل العربي تكرر عشرات المرات عبر تاريخنا، ويمكن أن نسميه مفهوم "المظلومية التاريخية"

وهو أن يكون تبرير الظلم والعدوان بالمظلومية السابقة التي وقعت على الطرف الأول وهكذا تدور الدوائر وتتكرر الأحداث مرة بعد مرة.. فالأموييون أمعنوا قتلا وظلما لآل البيت والهاشميين.. وعندما انتصر العباسيون قتلوا كل من ينتمي لبني أمية حتى الأجنة التي في الأرحام! والمماليك الذين استعبدوا في زمن الأيوبيين لما استلموا زمام السلطة قد أمعنوا فيهم قتلا وإذلا.. وكان الأيوبيين قد قضوا على الفاطمين في مصر ولم يكونوا رحماء مع خصومهم في الشام والعراق.. حتى العثمانيون لم يقصروا في المماليك...

ولا شك أن مفهوم المظلومية التاريخية هو أكبر دافع ومبرر لكل الظلم والقهر الذي مارسه حافظ الأسد ومن بعد بشار.. فماذا سوف يكون من بعده؟؟ وهل سوف نبقى في هذه الدائرة الجهنمية حتى يقضي الله امرا كان مفعولا؟!

يتبع

19‏/08‏/2013

الأساطير المؤسسة للعقل العربي 8


"عقدة البطل السلبي"

بعد انتصار القبائل المتحالفة على تغلب و أخذ الكثير من الأسرى، شك ابن عباد أن يكون المهلهل بينهم وكان بصره قد قارب على التلاشي فجاء يتحسسهم بحثا عنه، ثم صاح عارضا عليهم أن من يدله على المهلهل سيكون له الأمان وينجو من القتل..

على الفور، وبلا لحظة تردد، صاح رجل منهم أعطني الأمان وأقسم على ذلك..

فاقسم انه في آمان وبضمانته على مرأى الأشهاد..

عندها كشف الرجل وجهه وقال: أنا المهلهل، فهل تحنث بعهدك يا ابن عباد؟

تمزق ابن عباد غيظا.. وقال له: أكلت كبدي مرتين

وبعد لحظات صمت.. توجه إلى المهلهل قائلا: لن أحنث بعهدي وأنا على وعدي بالأمان، ولكن أريد منك طلبا على انفراد..

فلما اختلى به، قال: إني بلغ مني الكبر، وخارت القوى وانحسر البصر.. ولن أقوى على خوض حرب أخرى، فدلني على رجل من أشراف تغلب أقتله بدم ابني وائل.. ولك مني الأمان والعهد بأن أعود للعزلة عن هذه الحرب..

وهكذا اتفقا على حركة دل بها المهلهل على صديق عمره ورفيقه في الحرب والسلم منذ الأيام الخوالي.. فقتله بطرفة عين..

هذا هو بطلنا العتيد أبو ليلى المهلهل!!! الذي طلما قصت سيرته كمثال للبطولة والفروسية!!! فيا للعجب!!!

وإذا كان التصرف الأول يمكن تبريره بغريزة البقاء الطبيعية لكل فرد، وأنها لا تخلو من الدهاء والظرافة ربما، ولو أنها خاية من الرجولة والفروسية! فإن التصرف الثاني لا يمكن تبريره بأي مقياس لأنه مليء بالخسة والنذالة.. وما لا يمكن وصفه بكلمات!!!

وكامل سيرته الأسطورية من أولها إلى آخرها كانت حبلى بالتناقضات والسلبية، فمن سكير عربيد غير مبال لما كان كليب يحاول بناء مملكة لقبائل بني وائل ليغير حياتهم.. إلى انحرافه عن حلمه واستبداده كان المهلهل في المصفوفة الصفرية لا سلبا ولا إيجابا.. ثم بعد مقتله، عرقل محاولات المصالحة بين أبناء العمومة.. ثم حول حرب ثأر مشروعة إلى حرب ثأر مجنونة مدمرة للذات وللآخر.. وللماضي والحاضر والمستقبل.. الذي مات فيه وحيدا شريدا فوق رمال الصحراء الحارقة

مع كل هذه السيرة المخزية.. كان ومازال من ينظر له كبطل من أبطال العهد القديم الأسطوريين.. وقيل له وفيه الكثير من الأشعار والخطب والحكايات..

فهل مازال أحد منكم مستغربا أن ينظر الكثيرون إلى بشار أو حافظ كأبطال؟؟!!

ومن قبلهم،  صدام.. ونوري السعيد والشريف حسين.. والقائمة العربية تطول.. وحتى من غير العرب كان من نظر لهتلر أو استالين ورومل.. كأبطال أيضا!!

اعتقد أن أهم كتلة سرطانية في العقل العربي بحاجة للاستئصال والتنظيف هي مفهوم البطل


يتبع

18‏/08‏/2013

الأساطير المؤسسة للعقل العربي 7


"حرب وائل.. من الهزيمة إلى النصر"

بعد مقتل وائل وصحوة ابن عباد واقتناعه بأنه لا يمكن السكوت على هذا الرجل الذي يخوض حربا مدمرة لقبيلته أولا ولكل ما حولها من قبائل، ولن يسلم من شره أحد بشكل مباشر او غير مباشر..

عندها شرع ابن عباد في تحريض كل القبائل القريبة والبعيدة للانضمام لقتال المهلهل.. ولم يجد صعوبة كبيرة في ذلك انطلاقا من مشروعية الثأر في الواقع العربي انذاك، لا سيما ان ابنه قُتل وهو أعزل وكان رسولا في قضية سلام.. وترسخت قناعة الجميع أن المهلهل وصل ذروة الجنون في حرب مجنونة صارت تقوده هي، وليس يقودها هو!!

استطاع ابن عباد ضم الكثير من القبائل وجمع عددا كبيرا من الرجال في يوم معركة وائل.. ولكن هذا العدد الكبير جدا -قياسا للطرف الآخر من بني تغلب وحدها- لم يتم التنسيق بينهم أو تدريبهم أو وضع خطة محكمة أو قيادة واضحة.. ولكل كان قيادته ولكل كان أهدافه الخاصة من هذه الحرب.. حتى لم يتم تعارفهم قبل الذهاب للقتال..

وكان المهلهل في الطرف الآخر يتابع هذه التحركات بعيني ثعلب بري ماكر، ووضع خطة محكمة واضحة وبسيطة جدا وسهلة التنفيذ، ومفادها أن يقاتل جيشه ككتلة واحدة متماسكة لبرهة قصيرة يوضع فيها أقصى جهد ممكن، ثم يبدأ انسحاب تدريجي لعناصره.. واختار مكان المعركة قرب تلة رملية استطاع جيشه الاختفاء خلفها وترك القبائل الأخرى تتقاتل فيما بينها.. وحتى أدركوا الحقيقة المرة كانت هزيمتهم ساحقة..

بعد هذه الهزيمة الفاضحة التي دعت الكثير من القبائل للتراجع عن خيار القتال بدعاوى مختلفة، كان أمام ابن عباد خيارات صعبة، بالأخص أن حالة التلاوم وتحميل المسؤوليات التي تتلو كل هزيمة عربية كانت على أشدها بين الجميع.. لكنه رغم تقدم العمر ووهن القوة وانحسار البصر، لم تهن عزيمته، ولم تعمى بصيرته.. وتعلم الدروس بسرعة، واتخذ زمام المبادرة بدون انفعال أو تسرع، بحكمة وقوة.. فبدأ بترميم الصفوف بجمع القبائل التي كان لديها القناعة الحقيقية بمشروعية وضرورة هذه الحرب، ثم عمل على تشكيل قيادة واضحة محددة المهام.. وترسيخ القناعة بالحرب.. ورفع الروح المعنوية عبر حملة اعلامية قوية موحدة الرسالة "بوسائلها البدائية طبعا" واختار مظهرا واحدا لكل المقاتلين من كل القبائل ليتعارفوا به، وهو أن يحلقوا شعرهم ولحاهم صباح يوم المعركة "وكان هذا غريبا عن عادات العرب"

ووضع خطة مبتكرة واضحة وقابلة للتنفيذ.. وقد تم تدريب الفرسان عليها لشهور، ومفادها أن يقوم الفارس بحركة مباغتة اتجاه الخصم قبل أن يشهر سلاحه، وذلك باحتضانه بقوة واقتلاعه عن فرسه ليلقي به أرضا، بينما تقوم مجموعات مشاة مرافقة بأسره واقتياده فورا للصفوف الخلفية..

وفي يوم مشهود عرف في التاريخ العربي بيوم "تحلاق اللمم" استطاع ابن عباد وجيشه "الأقل عددا" هزيمة تغلب هزيمة ساحقة وأخذ من رجالهم الكثير من الأسرى من بينهم المهلهل نفسه بينما لاذ الآخرون بالفرار..

يتبع

15‏/08‏/2013

الاساطير المؤسسة للعقل العربي 6


"ابن عباد وكتلة الحياد السلبي"

طالت الحرب بين تغلب وبكر سنين، وكأنه قلبي عم يقول لي هلق أنه المهلهل من جهة وجساس من الجهة التانية، كانوا مستمتعين بهالحرب وصارت حياتهم وسلطتهم وهيبتهم.. وحتى تفكيرهم مرتبط فيها وباستمرارها.. ولا واحد منهم كان عنده الاستعداد يتنازل عنها، يمكن لأنه كان احساس كل واحد منهم أنه نهايته من نهايتها!!

بس بين هالاتنين "أبطال المسرحية التراجيدية العربية اللي طالت فصولها ومشاهدها" اللي كانت الأضواء مسلطة عليهم بشكل أساسي كان فيه بزوايا المسرح المعتمة الكتير من الناس من الطرفين صاروا كرهانين هالحرب وقرفانين عيشتهم من وراها، وكان احساسهم أنه هدا الموضوع زاد عن حده، وأنه ما إله آخر بهدا الشكل! وأنه الموضوع ما عاد إله معنى وإنه صار شي قريب من جنان العظمة للبطلين..

بس كمان بهداك الوقت ما كان من السهل أنه حدى يحكي أو يبوح بهي الهواجس والمشاعر لأنه القبيلة بحالة حرب، وأنه هدا رح يتفسر بأنه "إضعاف للروح المعنوية للقبيلة زمن الحرب" أو محاولة "للإضرار بالوحدة الوطنية للقبيلة"..

ومتل العادة الرواة والحكواتية اللي دونوا الخطوط الناظمة لعقلنا العربي اعتبروا أنه هدا شي على الهامش وما وقفوا عنده وكأنه شي ما إله قيمة قدام المشاهد المثيرة "الشو" تبع الحرب و"كاوبوي العرب" تبع رعاة الإبل

مشان هيك يمكن ما نلاقي عن هدا شي كتير من الشواهد!!! مجرد تناتيف حكي بين السطور هون وهنيك!!!

طبعا هدا كان الوضع بين القبيلتين المتحارتين بكر وتغلب، بس شو كان وضع باقي القبائل المنتمية لنفس الجذر القبلي؟

أكيد مثير للملاحظة، أنه شلون ضلوا ساكنين كل هالوقت؟.. وعم يتفرجوا على أبناء عمومتهم عم يدبحوا بعضهم سنين!!

وكأنهم عم يتفرجوا على فيلم سينما أو نشرة أخبار عن نيكارجوا!! "أو عن وادي تهامة مثلا لأنه أكيد بني وائل ما كانوا بيعرفوا نيكارجوا!"

أكيد ابن عباد صاحب مقولة لا ناقة ولا جمل مو فجأة انتخى وساوى مبادرة السلام الشخصية! أكيد أنه صار ضغط –حسب الشكل الطبيعي- من أطراف مختلفة من المتحاربين والمستائين من استمرار هالحرب

بس بعد سنين من الحياد السلبي المطلق، ويمكن حتى الانفصال عن الواقع الجديد اللي ساوته الحرب، شطح شطحة كبيرة، فبعت ابنه وائل مع وفد إلى المهلهل وارسل له: أنه إذا بيشفي غليلك وثأرك لكليب أنه تقتل ابني فأنا مسامح فيه ومتنازل عن دمه..

ما قدّر ابن عباد أنه توغل المهلهل بهذه الحرب المجنونة خلاه يوصل لمرحلة من الجنون ممكن يتوقع منه أي شي!

أكيد أنه ابن عباد حط احتمال لو ضعيف جدا أنه يقتل ابنه، وإن كنت استبعد انه فكر هيك! يمكن بنى حساباته أنه هدا زعيم و رجل دولة.. "قصدي رجل قبيلة"! وما رحت يساوي هيك تصرف، وأنه هيك رح يستحي ويرجع لعقله..

وحتى بعد قتل ابنه، ما قدر يشوف الواقع متل ما هو بكل بشاعته!!!

فبعت رسالة للمهلهل، قال له فيها: إذا كنت قتلت وائل بدم كليب، ورح تنهي هالحرب فأنا راض ومسامح..

وبصراحة، أنا أشك بنسبة تسعة وتسعين بالمية "اللي بينجحوا فيها زعماءنا" أنه المهلهل قتل وائل لأنه ما نسي أبدا أنه أبوه هو أكتر من حاول الوساطة قبل ما تبدى الحرب، وهدا فسره المهلهل أنه اصطفاف صريح مع أعداءه، وما شفع له أنه وقف هو وقبيلته على الحياد سنين!!!

مشان هيك لا حدى يسألني ليش أنا متفهم كل الناس اللي بتخاف من الانتقام المجنون للسلطة، رغم أنها كانت اقرب للحياد أو العطالة!!! ... وعقلنا الباطن متخم بمتل هيك حوادث!

والمهلهل جاوب ابن عباد: بأنه قتل وائل مقابل شسع نعل كليب. "يعني بالعربي فدا كعب صباطه.. هدا لو كان عنده صباط أصلا!"

هون بس فاق ابن عباد من سباته وطلع عن صمته، وصرخ: "لُقّحتْ حربُ وائل عن حيالِ.."

بس بعد إيش؟؟ بعد خراب مالطا!!! قصدي بعد خراب البصرة.. لأنه مين كان بيعرف مالطا وقتها.. بعدين ليش لنفاول عليهم.. عنا خربانة خربانة!!

تصبحوا على خير ولما تصحوا فيه حلقة جديدة

يتبع

14‏/08‏/2013

الأساطير المؤسسة للعقل العربي 5


"المهلهل والثأر غير المحدود"

بعد ما فشلت المفاوضات بين بكر وتغلب وانتهت كل الوساطات، ما عاد فيه غير خيارين، الأول أنه بكر تسلم جساس للمهلهل ليقتله، وهدا خيار مستحيل بالنسبة لقبيلة بكر او غيرها، لأنه بيهدم الأساس اللي بني عليه المفهوم القبلي ككل، وما ضل إلا خيار الحرب على الرمل "لأنه ما كان فيه طاولة بوقتها"

وإذا كان طرفي الحرب خيارهم محسوم، فكانت كل الأنظار موجهة لمواقف القبائل التانية اللي عايشة بنفس المنطقة بالأخص قبيلة ابن عباد، وإذا كان الرجل شارك بمحاولات الوساطة بفترة المفاوضات، وهدا موقف انحسب أنه أقرب لبكر، فلما إجى قرار الحرب أخد موقف الحياد وهدا كان بمصلحة تغلب الأكتر عددا وعدة، واخترع لنا المقولة اللي لسى منقولها على الطالعة والنازلة: "هذه حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل"

وهدا الموقف أعجب كل القبائل "الحياد السلبي" وقعدوا يتفرجوا على الحرب كأنها فيلم سينما أو نشرة أخبار المسا!!!

لا ناقة ولا جمل!!.. لا ابيض ولا أسود!!.. خلت الرمل أحمر.. وخلت الدم مية!!!

وهيك بنى المهلهل شرعية حربه ضد بني بكر وهي من نفس الجذر القبلي لتغلب، وهدا كان غريب على عادات العرب، اللي اتعودت على حروب القبائل المتباعدة بينما التحالفات بتكون عادة بين القبائل المتقاربة، الأقرب فالأقرب!

وهيك يا سادة يا كرام بدأت حرب البسوس.. والغريب أنه بكل المعارك تعمد المهلهل أن يتجنب المواهجة مع جساس شخصيا أو حتى يسمح لحدى من تغلب انه يقتله، يمكن لأنه هدا كان رح يقتل شرعية الحرب اللي أرادها ممتدة بلا نهاية وكأنها غاية بحد ذاتها وليست حرب لتحقيق هدف، ويمكن صارت حياته مستمدة من بقاء الصراع بلا نهاية!!!

"لا حدى يقول لي اتذكرت شي، أنا بس عم قول لكم اللي صار بوقتها ما دخلني باللي صار بعدين لهلق وللمستقبل"

ما بعرف إذا كان غريب والا هو الطبيعي أنه المهلهل اللي كان سكران "مطبل بالدنيا مزمر بالآخرة" طوال السنين اللي كان كليب عم يصارع فيها للسلطة والاحتفاظ فيها بدون ما يظهر اي اهتمام او موقف.. لا مع لا ضد.. لا بين وبين!!! وبعدين وبلحظات ينقلب لهدا الموقف المتعنت لحد الجنون "وكان عصي على تفسير الرواة لدرجة انه ما اتفق عليه اتنين منهم!!!"

والموقف الأغرب أنه بعد سلسلة معارك حقق فيها انتصارات كبيرة على ابناء عمومته "وحطوا لي عشر خطوط تحت ابناء عمومته، لأنه لهلق كلنا أبطال على أبناء العمومة والأخوال وما منتحمل منهم كلمة أو هفوة!!!" وقتل منهم كتير من الرجال، وكل ما إجى لعنده وفد ليطرح عليه سؤال: أنه ما بيكفي هدا ثأر لكليب؟ وما صار وقت المصالحة؟ كان يجاوب أجوبة غريبة أحسن وصف إلها إنها بتذكرني بأجوبة واحد كل ما حكى بيقولوا عنه مفصول عن الواقع!

وأغربها –أو أجنها- مقولته لما قتل وائل ابن عباد!!!

يتبع

 

12‏/08‏/2013

الأساطير المؤسسة للعقل العربي 4


"اليمان والمفاوضات المستحيلة"

 متل أي أزمة هلق كانت أزمة ناقة البسوس اللي تصاعدت من تحدي العجوز للسلطة، للعنف في الرد بقتل الناقة، لرد الفعل الأعنف بقتل كليب.. صارت الأزمة في ذروتها، وصار لازم إلها حل سلمي "بالمفاوضات" أو حل عسكري "الحرب"

ومتل طبيعة أي أزمة من هدا النوع في المجتمعات البشرية بالمستقبل او الحاضر او الماضي بيكون الحل السلمي مقدم إذا كان فيه إمكانية للوصول لحل عبر المفاوضات قبل إعلان الحرب

وهيك صار في تلك البقعة من صحراء العرب الواسعة، فإجت الوفود لمضارب قبيلة تغلب، لتستكشف شو مطالبهم لنزع فتيل الحرب؟

وكان بهديك البقعة القصية من عقلي واحد سكران لحظة وقوع الحدث، وما بعرف إذا كان صحي دغري لما بلغوه بمقتل كليب وإلا قال "متل ما قال صاحب المعلقة الأشهر على الجدران الداخلية لرأسي": اليوم خمر وغدا..

وهدا السكران الثمل، هو اللي رح يكون أشهر ممثل بتاريخ الدراما العربية ما قبل اختراع السينما والتلفزيون!

والقدر شاء أنه يكون هدا المدمن هو ولي الدم في أكبر أزمة تمر على الصحراء العربية بوقتها، وكل الوفود كانت لازم تحكي مع المهلهل شخصيا لأنه مفتاح الحرب والسلم في المنطقة

المهلهل ضل لابس دور السكران خلال المفاوضات "لو انه كان صاح" وقال: أنا ما بدي شي بس تلبوا طلبات اليمان بنت كليب، وكان هدا شي غريب عن عادات العرب أنه ينربط هيك قرار بطلبات بنت لم تصل البلوغ! وكان هدا بحد ذاته استفزاز فظيع للوفود والوسطاء واستخفاف كبير، يمكن ما خلاهم يقبله إلا الخلفية التاريخية لشخصية المهلهل اللي كانت ماتت أصلا يوم موت كليب، بس ما كان حدى حاسس بهدا الانقلاب لسى

المهلهل كان لقن بنت أخوه كلمتين بس ما تحيد عنهم مهما صار: "أريد أبي حيا"

وهيك نفذ المهلهل خطته الاولى بأنه ما رفض التفاوض والوسطات، وبنفس الوقت ما ترك غير خيار الحرب اللي كان عم يستعد لها  من أول لحظة، بين ما ترك أمل عند الأطراف التانية انهم عم يفاوضوا بنت صغيرة ممكن تأثر عليها أمها أو أخوالها اللي الحرب رح تقوم ضدهم، بدون ما ينتبهوا أن حملة ديماغوجية كبرى "مركزة على شخصية كليب وقيمته.." كان المهلهل عم يمهد فيها للحرب خلت أم اليمان ذات نفسها في صف تغلب، وخلت تغلب كتلة واحدة متراصة ورا قرار حرب "يمكن ما كانت قدرا مقدورا" وخلت المفاوضات فاضية، ومجرد كسب وقت..

هلق أنا ما بدي أكون مبالغ إذا قلت أني حاسس أنه كل المفاوضات بالتاريخ العربي اللاحق.. ويمكن لحد الآن صانعها المهلهل بطل هوليود العرب ما قبل السينما.. مفاوضات الشرط المستحيل، والحل الوحيد الذي لا ثان له

يتبع